فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم}
قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلًا حلو الكلام حلو المنظر وكان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجب وينطوي بقلبه على ما يكره فنزلت ألا إنهم يثنون صدورهم يعني يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة من ثنيت الثوب إذا طويته.
وقال عبد الله بن شداد بن الهاد: نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: كانوا يحنون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره وقيل كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه ويقول هل يعلم الله ما في قلبي، وقال السدي: يثنون صدورهم أي يعرضون بقلوبهم من قولهم ثنيت عناني: {ليستخفوا منه} يعني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد من الله إن استطاعوا: {ألا حين يستغشون ثيابهم} يعني يغطون رؤوسهم بثيابهم: {يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور} ومعنى الآية على ما قاله الأزهري: إن الذين أضمروا عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخفى علينا حالهم في كل حال وقد نقل عن ابن عباس غير هذا التفسير وهو ما أخرجه البخاري في إفراده عن محمد بن عياش بن جعفر المخزومي أنه سمع ابن عباس يقرأ: ألا إنهم يثنون صدورهم، قال: فسألته عنها فقال كل أناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}
نزلت في الأخنس بن شريق، كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر قاله ابن عباس.
وعنه أيضًا: في ناس كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء.
وقيل: في بعض المنافقين، كان إذا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يرى الرسول قاله: عبد الله بن شدّاد.
وقيل: في طائفة قالوا إذا أغلقنا أبوابنا، وأرخينا ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وثنينا صدورنا، على عداوته كيف يعلم بنا؟ ذكره الزجاج.
وقيل: فعلوا ذلك ليبعد عليهم صوت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل أسماعهم القرآن ذكره ابن الأنباري.
ويثنون مضارع ثنى قراءة الجمهور.
وقرأ سعيد بن جبير: يثنون بضم الياء مضارع أثنى صدورهم بالنصب.
قال صاحب اللوامح: ولا يعرف الاثناء في هذا الباب إلا أن يراد به وجدتها مثنية مثل أحمدته وأمجدته، ولعله فتح النون وهذا مما فعل بهم، فيكون نصب صدورهم بنزع الجار، ويجوز على ذلك أن يكون صدورهم رفعًا على البدل بدل البعض من الكل.
وقال أبو البقاء: ماضية أثنى، ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه: عرضوها للاثناء، كما يقال: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع.
وقرأ ابن عباس، وعلي بن الحسين، وابناه زيد ومحمد، وابنه جعفر، ومجاهد، وابن يعمر، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن ابزي، والجحدري، وابن أبي إسحاق، وأبو الأسود الدؤلي، وأبو رزين، والضحاك: تثنوني بالتاء مضارع اثنوني على وزن افعوعل نحو اعشوشب المكان صدورهم بالرفع، بمعنى تنطوي صدورهم.
وقرأ أيضًا ابن عباس، ومجاهد، وابن يعمر، وابن أبي إسحاق: يثنوني بالياء صدورهم بالرفع، ذكر على معنى الجمع دون الجماعة.
وقرأ ابن عباس أيضًا ليثنون بلام التأكيد في خبر إنْ، وحذف الياء تخفيفًا وصدورهم رفع.
وقرأ ابن عباس أيضًا، وعروة، وابن أبي أبزي، والأعشى: يثنون ووزنه يفعوعل من الثن، بنى منه افعوعل وهو ما هش وضعف من الكلأ، وأصله يثنونن يريد مطاوعة نفوسهم للشيء، كما ينثني الهش من النبات.
أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم وصدورهم بالرفع.
وقرأ عروة ومجاهد أيضًا: كذلك إلا أنه همز فقرأ يثنئن مثل يطمئن، وصدورهم رفع، وهذه مما استثقل فيه الكسر على الواو كما قيل: أشاح.
وقد قيل أن يثنئن يفعئل من الثن.
المتقدّم، مثل تحمارّ وتصفارّ، فحركت الألف لالتقائهما بالكسر، فانقلبت همزة.
وقرأ الأعشى: يثنؤون مثل يفعلون مهموز اللام، صدورهم بالنصب.
قال صاحب اللوامح: ولا أعرف وجهه لأنه يقال: ثنيت، ولم أسمع ثنأت.
ويجوز أنه قلب الياء ألفًا على لغة من يقول: أعطأت في أعطيت، ثم همز على لغة من يقول: {ولا الضالين} وقرأ ابن عباس: يثنوي بتقديم الثاء على النون، وبغير نون بعد الواو على وزن ترعوي.
قال أبو حاتم: وهذه القراءة غلط لا تتجه انتهى.
وإنما قال ذلك لأنه لاحط الواو في هذا الفعل لا يقال: ثنوته فانثوى كما يقال: رعوته أي كففته فارعوى فانكف، ووزنه أفعل.
وقرأ نضير بن عاصم، وابن يعمر، وابن أبي إسحاق: يثنون بتقديم النون على الثاء، فهذه عشر قراءات في هذه الكلمة.
والضمير في أنهم عائد على بعض من بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار أي: يطوون صدورهم على عدواته.
قال الزمخشري: يثنون صدورهم يزوّرون عن الحق وينحرفون عنه، لأنّ من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه ليستخفوا منه، يعني: ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم.
ونظير إضمار يريدون، لعود المعنى إلى إضماره الإضمار في قوله تعالى: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} معناه: فضرب فانفلق.
ومعنى ألا حين: يستغشون ثيابهم ويريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضًا كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام: {جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم} انتهى.
فالضمير في منه على قوله عائد على الله، قال ابن عطية: وهذا هو الأفصح الأجزل في المعنى انتهى.
ويظهر من بعض أسباب النزول أنه عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عطية.
قال: قيل: إنّ هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمتستر، وردّوا إليه ظهورهم، وغشوا وجوههم بثيابهم تباعدًا منهم وكراهية للقائه، وهم يظنون أنّ ذلك يخفى عليه أو عن الله تعالى فنزلت الآية انتهى.
فعلى هذا يكون ليستخفوا متعلقًا بقوله: يثنون، وكذا قال الحوفي.
وقيل: هي استعارة للغل، والحقد الذي كانوا ينطوون عليه كما تقول: فلان يطوي كشحه على عداوته، ويثني صدره عليها، فمعنى الآية: ألا إنهم يسرون العداوة ويتكتمون لها، ليخفي في ظنهم عن الله عز وجل، وهو تعالى حين تغشيهم بثيابهم وإبلاغهم في التستر يعلم ما يسرون انتهى.
فعلى هذا يكون حين معمولًا لقوله: يعلم، وكذا قاله الحوفي لا للمضمر الذي قدره الزمخشري وهو قوله: ويريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم.
وقال أبو البقاء: ألا حين العامل في الظرف محذوف أي: ألا حين يستغشون ثيابهم يستخفون، ويجوز أن يكون ظرفًا ليعلم.
وقيل: كان بعضهم ينحني على بعض ليساره في الطعن على المسلمين، وبلغ من جهلهم أنّ ذلك يخفى على الله تعالى.
قال قتادة: أخفى ما يكون إذا حتى ظهره واستغشى ثوبه، وأضمر في نفسه همته.
وقال مجاهد: يطوونها على الكفر.
وقال ابن عباس: يخفون ما في صدورهم من الشحناء.
وقال قتادة: يخفون ليسمعوا كلام الله.
وقال ابن زيد: يكتمونها إذا ناجى بعضهم بعضًا في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقيل: يثنونها حياءً من الله تعالى، ومعنى يستغشون: يجعلونها أغشية.
ومنه قول الخنساء:
أرعى النجوم وما كلفت رعيتها ** وتارة أتغشى فضل أطماري

وقيل: المراد بالثياب الليل، واستعيرت له لما بينهما من العلاقة بالستر، لأن الليل يستر كما تستر الثياب ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقرأ ابن عباس: على حين يستغشون.
قال ابن عطية: ومن هذا الاستعمال قول النابغة:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ** وقلت ألما أصح والشيب وازع

انتهى.
وقال ابن عباس: ما يسرون بقلوبهم، وما يعلنون بأفواههم.
وقيل: ما يسرون بالليل وما يعلنون بالنهار.
وقال ابن الأنباري: معناه أنه يعلم سرائرهم كما يعلم مظهرانهم.
وقال الزمخشري: يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم، واستغشائهم بثيابهم، ونفاقهم غير نافق عنده.
وقال صاحب التحرير: الذي يقتضيه سياق الآية أنه أراد بما يسرون ما انطوت عليه صدورهم من الشرك والنفاق والغل والحسد والبغض للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنّ ذلك كله من أعمال القلوب، وأعمال القلوب خفيه جدًّا، وأراد بما يعلنون ما يظهرونه من استدبارهم النبي صلى الله عليه وسلم وتغشية ثيابهم، وسدّ آذانهم وهذه كلها أعمال ظاهرة لا تخفى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يزْورُّون عن الحق وينحرفون عنه أي يستمرون على ما كانوا عليه من التولّي والإعراضِ لأن مَنْ أعرض عن شيء ثنى عنه صدرَه وطوى عنه كشحَه، وهذا معنىً جزْلٌ مناسبٌ لما سبق، وقد نحا نحوَه العلامةُ الزَّمَخْشَريُّ ولكن حيث لم يصلُح التولي سبيلًا للاستخفاء في قوله عز وجل: {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} التَجأ إلى إضمار الإرادةِ حيث قال: ويريدون ليستخفوا من الله تعالى فلا يُطْلِعَ رسولَه والمؤمنين على إعراضهم، وجعلُه في قَوْد المعنى إليه من قبيل الإضمارِ في قوله تعالى: {اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} أي فضرب فانفلق، ولا يخفى أن انسياقَ الذهنِ إلى توسيط الإرادةِ بين ثنْيِ الصدورِ وبين الاستخفاءِ ليس كانسياقِه إلى توسيط الضربِ بين الأمرِ به وبين الانفلاقِ، ولعل الأظهرَ أن معناه يعطِفون صدورَهم على ما فيها من الكفر والإعراضِ عن الحق وعداوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بحيث يكون ذلك مخفيًا مستورًا فيها كما تُعطف الثيابَ على ما فيها من الأشياء المستورةِ، وإنما لم يذكرْ ذلك استهجانًا بذكره أو إيماءً إلى أن ظهورَه مغنٍ عن ذكره أو ليذهبَ ذهنُ السامعِ إلى كل ما لا خيرَ فيه من الأمور المذكورةِ، فيدخلُ فيه ما ذكر من تولّيهم عن الحق الذي أُلقيَ إليهم دخولًا أوليًا، فحينئذ يظهر وجهُ كونِ ذلك سببًا للاستخفاء، ويؤيده ما رُوي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنها نزلت في الأخنس بنِ شُرَيقٍ وكان رجلًا حلوَ المنطِق حسنَ السياقِ للحديث يُظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبةَ ويُضمِرُ في قلبه ما يضادُّها وقال ابن شداد إنها نزلتْ في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدرَه وظهرَه وطأطأ رأسَه وغطَّى وجهَه كيلا يراه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فكأنه إنما كان يصنع ما يصنع لأنه رآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يمكِنْه التخلّفُ عن حضور مجلِسه والمصاحبةِ معه، وربما يؤدّي ذلك إلى ظهور ما في قلبه من الكفر والنفاقِ، وقرئ يَثْنَوْني صدورُهم بالياء والتاء من اثنونى افعوعل من الثَنْي كاحلولي من الحلاوة، وهو بناءُ مبالغةٍ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما لَتثْنَوني، وقرئ تثنون وأصله تَثَّنْوِنُ من تفْعَوعِلُ من الثِّنِّ وهو ما هشّ من الكلأ وضعُف يريد مطاوعةَ صدورِهم للثني كما يثنى الهشُّ من النبات، أو أراد ضعفَ إيمانِهم ورَخاوةَ قلوبِهم، وقرئ تثْنِئنّ من اثنانّ افعالَّ منه ثم همزٌ، كما قيل: ابياضّت وادهامّت وقرئ تثْنوِي بون ترعوي.
{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} أي يتغطَّوْن بها للاستخفاء على ما نقل عن ابن شداد، أو حين يأوون إلى فُرُشِهم ويتدثّرون بثيابهم فإن ما يقع حينئذٍ حديثُ النفس عادةً، وقيل: كان الرجلُ من الكفار يدخُل بيته ويُرخي سِتره ويحْني ظهرَه ويتغشّى بثوبه ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي؟: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} أي يُضمِرون في قلوبهم: {وَمَا يُعْلِنُونَ} أي يستوي بالنسبة إلى علمه المحيطِ سِرُّهم وعلنُهم فكيف يخفى عليه ما عسى يُظهرونه وإنما قدم السرُّ على العلن نعيًا عليهم من أول الأمر ما صنعوا وإيذانًا بافتضاحهم ووقوعِ ما يحذَرونه وتحقيقًا للمساواة بين العِلْمين على أبلغ وجهٍ فكأن علمَه بما يسّرونه أقدمُ منه بما يعلنونه، ونظيرُه قوله تعالى: {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا في صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله} حيث قدّم فيه الإخفاءُ على الإبداء على عكس ما وقع في قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله} إذ لم يتعلق بإشعار أن المحاسبةَ بما يُخفونه أولى منها بما يُبْدونه غرضٌ، بل الأمرُ بالعكس، وأما هاهنا فقد تعلق بإشعار كونِ تعلقِ علمِه تعالى بما يُسرّونه أولى منه بما يعلنونه غرضٌ مُهِمٌّ مع كونهما على السوية، كيف لا وعلمُه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصولِ الصورةِ بل وجودُ كلِّ شيءٍ في نفسه علمٌ بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحالُ بين الأشياء البارزةِ والكامنةِ، وأما قوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} فحيث كان واردًا بصدد الخطابِ مع الملائكة عليهم السلام المنزهِ مقامُهم عن اقتضاء التأكيدِ والمبالغةِ في الإخبار بإحاطة علمِه تعالى بالظاهر والباطن لم يُسلَكْ فيه ذلك المسلكُ مع أنه وقع الغُنيةُ عنه بما قبله من قوله عز وجل: {إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض} ويجوز أن يكون ذلك باعتبار أن مرتبةَ السرِّ متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يُعلن إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمرٌ في القلب، فتعلقُ علمِه سبحانه بحالته الأولى متقدمٌ على تعلقه بحالته الثانية: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} تعليلٌ لما سبق وتقريرٌ له واقع موقعَ الكبرى من القياس، وفي صيغة الفعيلِ وتحليةِ الصدورِ بلام الاستغراقِ والتعبيرِ عن الضمائر بعنوان صاحبيها من البراعة ما لا يصفه الواصفون كأنه قيل: إنه مبالغٌ في الإحاطة بمضمرات جميعِ الناسِ وأسرارِهم الخفيةِ المستكنّةِ في صدورهم بحيث لا تفارقها أصلًا، فكيف يخفى عليه ما يُسرّون وما يعلنون، ويجوز أن يُراد بذات الصدورِ القلوبُ من قوله تعالى: {ولكن تعمى القلوب التى في الصدور} والمعنى أنه عليمٌ بالقلوب وأحوالِها فلا يخفى عليه سرٌّ من أسرارها. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} كأنه جواب سؤال مقدر، وذلك أنه لما ألقى إليهم ما ألقى وسيق إليهم ما سيق من الترغيب والترهيب وقع في ذهن السامع أنهم بعد ما سمعوا مثل هذا المقال الذي تخر له صم الجبال هل قابلوه بالإقبال أم تمادوا فيما كانوا عليه من الإعراض والضلال فقيل: مصدرًا بكلمة التنبيه إشعارًا بأن ما بعدها من هناتهم أمر ينبغي أن يفهم ويتعجب منه: {أَلاَ إِنَّهُمْ} إلخ، فضمير: {أَنَّهُمْ} للمشركين المخاطبين فيما تقدم و: {يَثْنُونَ} بفتح الياء مضارع ثنى الشيء إذا لواه وعطفه، ومنه على ما قيل الاثنان، لعطف أحدهما على الآخر والثناء لعطف المناقب بعضها على بعض وكذا الاستثناء للعطف على المستثنى منه بالإخراج، وأصله يثنيون فأعل الإعلال المعروف في نحو يرمون، وفي المراد منه احتمالات: منها أن الثني كناية أو مجاز عن الإعراض عن الحق لأن من أقبل على شيء واجهه بصدره ومن أعرض صرفه عنه، أي أنهم يثنون صدورهم الحق ويتحرفون عنه، والمراد استمرارهم على ما كانوا عليه من التولي والإعراض المشار إليه بقوله سبحانه: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} [هود: 3] إلخ.